فصل: قال الأخفش:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال بيان الحق الغزنوي:

سورة النحل:
{أتى أمر الله} [1]. استقر دينه وأحكامه. {فلا تستعجلوه} [1]. بالتكذيب، وقيل: أتى أمر الله وعدًا {فلا تستعجلوه} وقوعًا، وقيل: إن المراد نصرة الرسول، والروح: الوحي بالنبوة، كقوله: {يلقى الروح من أمره} وقيل: هو الروح المعروف الذي يحيي به الأبدان. {لكم فيها دفء} [5]. هو ما يستدفأ به. {بشق الأنفس} [7]. بجهدها وعنانها، و{حين تريحون} [6]. أي: بالليل إلى معاطنها، {وحين تسرحون} بالنهار إلى مسارحها، قال الهذلي:
اظعني أم نوفل عن جنابي ** لا تريحي فالرعي رعي وخيم

من يذق رعيه سميت حبطًا ** منه فإني مما أقول زعيم

وقال المرار الفقعسي في السرح:
ثقيل على جنب المثال وماله ** خفيف على أشياعه حين يسرح

فإن مات لم يفجع صديقًا مكانه ** وإن عاش فهو الديدني المترح

{وعلى الله قصد السبيل} [9]. أي: بيان الحق، وقيل: إن إليه طريق كل أحد، لا يقدر أحد أن يجوز عنه، كما قال ذلك طفيل الغنوي للموت، لما كان سبيل كل حي عليه:
نداماي أمسوا قد تخليت عنهم ** فكيف ألذ الخمر أم كيف أشرب

مضوا سلفًا قصد السبيل عليهم ** وصرف المنايا بالرجال تقلب

{ومنها جائر}. أي: من. السبيل ما هو مائل عن الحق. {ولو شاء لهداكم أجمعين} أي: بالإلجاء. {تسيمون}. ترعون أنعامكم.
وهذا السوم في الرعي، من التسويم بالعلامة، لأن الراعي يسيم الراعية بعلامات يعرف بها البعض من البعض، أو لأنه يظهر في مواضع الرعي علامات وسمات من آثار اختلاء النبات، ومساقط الأبعار. {والنجوم مسخرات} [12]. نصب مسخرات على حال مؤكدة، كقوله: {وهو الحق مصدقًا}، وليس بمفعول ثانٍ لقوله: {وسخر لكم}، لأن المسخر لا يسخر، إلا أن يقدر فيه فعل آخر، أي: جعل النجوم مسخرات، كما قدر في قوله ها هنا: {وما ذرأ لكم في الأرض} [13]. أي: وسخر لكم ما ذرأ. في الأرض.
{وترى الفلك مواخر} [14]. جواري، مخرت السفينة كما تمخر الريح: إذا جرت، والمخر: هبوب الريح، والمخر: شق الماء بشيء يعترض في جهة جريانه، وقيل: مواخر: مواقر، مثقلات بما. فيها. {أن تميد بكم} [15]. أي: لئلا تميد. بكم. {كنتم تشاقون فيهم} [27]. تظهرون شقاق المسلمين وخلافهم لأجلهم.
{فألقوا السلم} [28]. أي: الخضوع والاستسلام لملائكة العذاب {أو يأخذهم على تخوف} [47]. أي: خوف، وهو ما يتخوفون منه من الأعمال السيئة، أو يتخوفون عليه من متاع الدنيا، وقيل: على تنقص، أي: يسلط عليهم الفناء فيهلك الكثير في وقت يسير، يقال: تخوفت الشيء: إذا أخذت من حافاته وأطرافه، وقد سأل عمر-رضي الله عنه- عنها وهو على المنبر، فسكت الناس حتى قام شيخ هذلي، وقال: هذه لغتنا التخوف: التنقص، فقال عمر: وهل شاهد؟ فأنشد لأبي كبير:
تخوف الرجل منها تامكًا صلبًا ** كما تخوف عود النبعة السفن

فقال عمر: عليكم بديوانكم-شعر العرب- ففيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم، وقد أنشد بندار بن لرة أيضًا:
تخوفتني مالي فأذهبت طارفي وتالد ** مالي فصرت أخا الفقر

وكنت كذي بئر عدا نزف مائها ** إلى نزح ما فيها إلى آخر القعر

وفي شعر الهذليين أيضًا:
فقلت له لا المرء مالك أمره ** ولا هو في جذم العشيرة عائد

أسيت على جذم العشيرة ** أصبحت تخوف منهم حافة وطرائد

فيكون اللفظ من قوله: {أو يأخذهم على تخوف} والمعنى من قوله: {نأتي الأرض ننقصها من أطرافها}. {يتفيؤا ظلاله} [48]. يتميل ويتحول، والفيء: الظل بعد الزوال، لأنه مال من جانب إلى جانب.
قال الأعرابي:
بلاد بها كنا نحل فأصبحت ** خلاء ترعاها مع الأدم عينها

تفيأت فيها بالشباب وبالصبا ** تميل بما أهوى علي غصونها

وجمع الشمائل للدلالة على أن المراد باليمين: الجمع على معنى الجنس، أو لأن الظل إذا ابتدأ من اليمين، ابتدأ جملة، ثم تنتقص عن الشمائل شيئًا فشيئًا، فجمع الشمائل على جمع أظلالها {سجدًا} [48]. خضعًا لأمر الله، لا يمتنع على تسخيره، وتصريفه.
ومعناه: ابتداء الظل على طلوع الشمس من خلف الأشخاص، ثم تفيؤه من اليمين والشمال على ارتفاعها إلى الأمام على الغروب. {وهم داخرون} [48]. صاغرون خاضعون بما فيه من التسخير ودلائل التدبير، أو على أن مثل ذلك لو كان من حي مختار لكان عن خضوع وصغار. {يخافون ربهم من فوقهم} [50]. أي: عذابه وقضاءه، وقيل: معناه أن قدرته فوق ما أعارهم من القوى والقدر، على مجاز: {وهو القاهر فوق عباده} {وله الدين} [52]. أي: الطاعة. {واصبًا} [52].
دائمًا، وقيل: خالصًا، والوصب: التعب بدوام العمل الشاق. {ويجعلون لما لا يعلمون نصيبًا مما رزقناهم} [54]. هو ما يجعلونه لأصنامهم من الثمرات والأموال ويحسبون. عليهم من الحرث والأنعام. {ولهم ما يشتهون} [57]. أي: من البنين. {مفرطون} [62]. معجلون.
وقيل: مقدمون. كما قال لبيد:
أقضي اللبانة لا أفرط ريبة ** أو أن يلوم بحاجة لوامها

{نسقيكم} [66]. سقى وأسقى واحد، كما قال لبيد:
سقى قومي بني مجد وأسقى ** نميرًا والقبائل من هلال

{مما في بطونه} [66]. التذكير للرد إلى لفظ {ما} عند الكسائي، وقال الفراء: للرد على النعم، والنعم والأنعام واحد، لأن النعم اسم جنس، والتذكير على اللفظ، ألا ترى أن لك تأنيث النعم على نية الأنعام،
فكذلك تذكير الأنعام على نية النعم، وقال المؤرج: رد الكناية إلى البعض، أي: نسقيكم مما في بطونه اللبن، إذ ليس لكلها لبن يشرب. {سكرًا} [67].
شرابًا مسكرًا، {ورزقًا حسنًا} فاكهة. قال الحسن: السكر ما شربت، والرزق الحسن ما أكلت. فيكون التفسير بثلاثة أوجه:-بالمعتصر من الثمرات،-قيل: السكر بالأنبذة المخللة على مذهبنا، وإن أسكرت،-وبالخمر قبل التحريم.
{وأوحى ربك إلى النحل} [68] ألهمها، أي: جعله في طباعها ومكنها منه، حتى صارت سبله لها مذللة سهلة-أي سبل اتخاذ العسل- ألا تراها كيف تبكر. إلى الأعمال من الصباح إلى المساء، وتقتسمها. بينها، كما يأمرها أميرها وفحلها اليعسوب، فبعضها يعمل الشمع، وبعضها يستقي الماء ويصبه في الثقب، ويلطخه بالعسل، ولا يتخذ ذلك إلا في أعلى موضع، وأحصن موقع، بحيث ينبو عن العيون ويأبى على الأقدام، كما قال الهذلي:
بأري التي تأري لدى كل مغرب ** إذا اصفر قرن الشمس حان انقلابها

بأري التي تأري اليعاسيب أصبحت ** إلى شاهق دون السماء ذؤابها

جوارسها تأري الشعوف دوائبا ** وتنصب ألهابًا مضيقًا شعابها

وقال أيضًا:
وما ضرب بيضاء يأوي مليكها ** إلى طنف أعيا براق ونازل

تنمى بها اليعسوب حتى أقرها ** إلى مألف رحب المباءة عاسل

{يخرج من بطونها شراب} [69]. سماه شرابًا، إذ كان مما يجيء منه الشراب، والجاحظ يقول للطاعن:-إن النحل تجني العسل بأفواهها، وتضعه كهيئته، فكيف يقال: يخرج من بطونها؟!- قال: الأمر-وإن كان كذلك- فهو يخرج من جهة أجوافها، وبطونها، ويكون العسل باطنًا في فيها، وقد خاطب بهذا الكلام أهل تهامة، وهذيلًا،
وضواحي كنانة، وهؤلاء هم أصحاب العسل، والأعراب أعرف بكل صمغة سائلة، وعسلة ساقطة، فهل سمعتم بأحد أنكر هذا البيان، أو طعن عليه من هذه الجهة. {فيه شفاء للناس} [69]. إذ كانت المعجونات كلها بالعسل، وفي الحديث: «من به داء قديم، فليأخذ درهمًا حلالًا، وليشتر به عسلًا وليشربه بماء سماء فهو الشفاء».
قال الهذلي:
وما ضرب بيضاء يسقي دبوبها دفاق ** فعروان الكراب فضيمها

إلى فضلات من حبي مجلجل ** أضربت له أضواجها وهضومها

فصفقها حتى استمر بنطفة ** وكان شفاء شوبها وصميمها

{فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم} [71].
ما ملكت أيمانهم لا يشاركونهم في ملكهم، ولا يملكون شيئًا من رزقهم، فكيف يجعلون لي من خلقي شركاء في ملكي؟! {وما أمر الساعة إلا كلمح البصر} [77]. أي: إذا أمرنا، وقيل: إنه أراد النفخة للفناء. أو للبعث. {أنكاثًا} [92]. أنقاضًا. {دخلا} غرورًا ودغلًا، كأن داخل القلب يخالف ظاهر القول. {أن تكون أمة هي أربى} أي: أشد وأزيد، إذ كانوا يعقدون الحلف، ثم ينقضون إذا وجدوا. من هو أكثر وأقوى. {لسان الذي يلحدون إليه أعجمي} [103]. أي: يميلون ويضيفون إليه إذ كانت العرب اتهمت رسول الله في معرفة الأخبار ببعض الأعاجم ممن قرأ الكتب. {فأذاقها الله لباس الجوع والخوف} [112]. جاء هذا الكلام على مذهب العرب، كما قال الشماخ في صفة قوس:
فذاق وأعطته من اللين جانبًا ** كفى ولها أن يعوق النزع حاجز

أي: نظر إليها ورآها، فجعل النظر ذوقًا، وقيل: معنى ذاق: جربها بالمد، فكذلك تكون الإذاقة في الآية بمعنى الابتلاء، لأن الابتلاء والتجريب متقاربان، وابن مقبل زاد عليه وجعل الذوق لليد. فقال:
يهززن للمشي أوصالًا منعمة ** هز الكماة ضحى عيدان يبرينا

أو كاهتزاز رديني تذاوقه ** أيدي التجار فزادوا متنه لينا

وعلى أن هذه اللفظة كثيرة الوقوع في الشدائد، لأن صاحبها يجد وقعها، كما يجد الذائق الطعم فوق ما يجد المستمر على الأكل، قال الله تعالى: {ذق إنك أنت العزيز الكريم}، وقال الراجز:
دونك ما جنيته فاحس وذق ** قد حذرتك آلالمصطلق

وقد سأل بعض الملحدة ابن الأعرابي عن هذه، وقال: تقول العرب: ذقت اللباس؟! فقال: إن لم يكن عندك نبيًا، أما كان عربيًا، وهذا الجواب كافي في إقناع الطاعن، والذي تقدم من تصحيحه على مذهب العرب حجة وبيان. {إن إبراهيم كان أمة} [120]. إمامًا يأتم به الناس.
{قانتًا} دائمًا على العبادة. {حنيفًا} مسلمًا، مستقبلًا في صلاته الكعبة. كما قال ذو الرمة:
يظل بها الحرباء للشمس ماثلًا ** على الجذل إلا أنه لا يكبر

إذا حول الظل العشي رأيته ** حنيفًا وفي قبل الضحى يتنصر

والحرباء: يستقبل الشمس أبدًا، فيكون بالعشي-إذا استقبل الشمس- مستقبلًا القبلة.
تمت سورة النحل. اهـ.

.قال الأخفش:

سورة النحل: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}.
قال: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} نصب. أي: وَجَعَلَ اللهُ الخَيْلَ والبغَال والحميرَ وَجَعَلَها {زِينَةً} {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} وقال: {وَمِنْهَا جَآئِرٌ} أي: ومن السبيلِ. لأَنَّها مؤنثة في لغة أهل الحجاز.
{وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} وقال: {وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ} فعلى سُخِّرَتْ النُّجُومُ أَوْ جَعَلَ النُّجُومَ مُسَخَّراتٍ وجاز اضمار فعل غير الأول لأن ذلك المضمر في المعنى مثل المظهر، وقد تفعل العرب ماهو أشد من ذا. قال الراجز: وهو الشاهد الثامن والثلاثون بعد المئتين:
تَسْمَعُ فِي أَجْوافِهِنَّ صَرَدَا ** وَفِي اليَدَيْنِ جُسْأَةً وَبَدَدا

فهذا على {وَتَرَى في اليَدَيْنِ الجُسْأَة} وهي اليَبَس والبَدَدَ وهو السَّعَة.
{وَمَا ذَرَأَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ}.
وقال: {وَمَا ذَرَأَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ} يقول: خَلَقَ لكم وبَثَّ لَكُمْ.
{أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}.
وقال: {أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء} على التوكيد.
{وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هاذِهِ الْدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ}.